عندك نزعة للتجرّد من إنسانيتك؟
بسهولة، اعتدِ على البشر.
هذا ما يحدث فعلًا في فلسطين الأبيّة، حين تجرّد الإسرائليون من إنسانيتهم واعتدوا على أعظم شعوب الله في الأرض.
الطفولة في فلسطين مميّزة جدًا حيث أنّ الأطفال يكبرون على الوجع، ويترعرعون في ساحات الدّماء والنّار. أطفال فلسطين هم زيتون العالم، منهم يخرج زيتُ إضاءة العالم. أما قالوا يومًا بأنّ العلم نور؟ إذًا تعلّموا منهم الشجاعة ومعنى التّضحية. تعلّموا أن ليسَ أكثر انتماءً في الكون من إنسانٍ يفدي الوطنَ بنفسه وماله. فلسطين مدرسة حياتيّة.
أطفال جوعى، نساء خائفات، شباب ينزفون، وشيوخ أكتافهم ثقيلة. قلّ لي بربّك، ماذا بقيَ من الجمال في ساحات فلسطين؟
(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).
هذه الآية التي كلّما مررت عليها، تمتمتُ: يا ربّ أرنا فيهم عجائب قدرتك. آمين.
الآن في اللحظة التي أكتب، دقّات قلبي متسارعة، دمي ثائر، أمعائي مُعتصرة، وأطرافي جدًا متجمّدة.
قد يكون تأثير الشتاء، أو ربّما كوب الشّاي المرّ الذي بين يدي.
الموتى، أصدقاء الطّفولة، الشّاب المزعج في الجامعة، أمّي المسافرة، أخي المتهوّر، كلّهم مرّوا بخاطري الآن. أكادُ لا أفهم الثرثرة العميقة داخلي.
ثمّ أنتبه للكتاب الذي بين يديّ: عيون في غزّة.
وأنا أقرأ الكتاب، أتخيّل وكأنّي أُشاهد حدثًا في مسرحٍ ما، ديكوره دمّ، وسيارات الإسعاف مصفوفةٌ على جنبيه بحذر.
فلسطين تنزف. هلّا كنتَ ضمادها؟
يإمكاني إلقاء اللوم على المسافة، حالة الحرب، سلطة الأهل، انعدام الأمان، لكنّي متيقّنة أنّي مسؤولة عن حالهم. مسؤولة، لكن كيف؟ لا أدري.
أنت وأنا / جميعنا نائحون.
وليست النّائحة كالثكلى. إطلاقًا.
فلسطين ثكلى، تودّع أحبابها وتبكيهم في الآن ألف مرّة. وأكثر. تخيّل أنّها أم، وهناك من ينزغ فلذات كبدها واحدًا تلو الآخر، وهي تموت مع كلّ فقد. في المقابل تعود وتحيا مع كلّ آية. تنتصرُ بتأييدِ الله.
لا أعرف لماذا تذكّرت:
" كلّ الأشياءِ هنا ثكلى. حتّى ورق الليمون ".
دعاء .. يا ربّ.