السبت، 21 يناير 2017

عليك الأمان

..

يحدث أحيانًا أن نفقدَ أنفسنا ونحن نجوب مسافات الحياة. نشعرُ بانسداد الطريق أمام خطواتنا، فنتعثّر. تتقاذفنا مشاعر الغربة المرّة، وتنفي بأوجاعنا خارج الوطن تيها. نعم تبهتُ وجوهنا مع كلّ وجع. تحتضرُ الدّهشة فينا، ونفقد الشغف. كلّ هذا واردٌ حدوثه.

لا تقلق. عليكَ الأمان.
لطالما كان هذا التّيهُ مصدرُ ازعاجٍ لأحلامنا يا صديق، يقينًا لابدّ من رجوع. نحنُ نكبر مع كلّ شعور، تصنعنا التجارب وتعيد تشكيل ذواتنا. قد تشعرُ بأنّك صغيرٌ على كلّ هذا. لا عليك، إنّها الحياة من تصنعُ منّا كبارًا. ستتعادُ التّغيير. أنت لست أنتَ بالأمس، ولن تكونَ أنت غدًا. وإلّا ما جدوى الوجود؟

بالطّبع أنا لا أحرّضك على أن تبقى مكتوفَ الأيدي منتظرًا فرج الحياة. أقول تأقلم، وأعني بذلك أن تسعى في الأرضِ باحثًا عنكَ. وليس بالأمر اليسير أن تعرفَ من أنت يا صديقي.
جاهد لئلّا تهزمك الحياة.

-
الذي آتاكَ من فضله دون سعيٍ منك، كيف سيكون الأمرُ لو أتيتهُ ساعيًا؟

السبت، 4 يونيو 2016

ذاكرة مثقوبة


                                    ___

حين تريدُ أن تحنو عليّ، أرجو أن يكونَ ذلك بحبٍّ منك. لا أن يكون أداءً لواجبٍ يُثقلك. أنا هشّةٌ هنا، وأوهنُ من بيتِ عنكبوت. لا أحتملُ هذا النّوع من التّقزيم.
                               

لا أعرفُ النّسيان حين يكون قلبي المُتّكأ. صدّقني لا أملك إلّا أن أفعل. ذاكرتي مثقوبة، وهذا القلب منحوتٌ بِرمّته. لا مساحةَ فيه لقبر خطيئاتٍ جُدد. الموتى فيه جرادٌ مُنتشر.

أنا الإنسان البسيط الذي كان يحتفظُ بأتفه الأشياء؛ حتّى يصنع منها ذاكرةً بعيدة المدى. ذاكرةً يعزّي بها بياض شعره حين يشيخ. لكنّه شاخ قبل أن يتقنَ الصّنع. للأسفِ المرير. 
نازعتُ نفسي طويلًا أن أكره، لكن يبدو أنّ قرارَ سهر اللّيلة نبش ذاكرتي، فكرهت.
سامحني. أنا أكرهك. 

لا أريدُ منكَ إلّا أن تنسى من أكون، لأنّ الألم كلّ الألم أن أبقى عبئًا عليك. تخلّص منّي للأبدّ، لاتجاملني فتجرح شعوري وصدقي. ربّما أعودُ أحبُّك لو نسيت. ستكونُ عابرًا حينها، وأحبُّ العابرين. ستكون غريبًا، ويطيب الحديثُ مع الغرباء.  

                                    ...                                        


الخميس، 2 يونيو 2016

شهد.




...

حين تقصر المسافات الرّوحية لا أهتمُّ بمسافة الواقع. لا يهمّني أن يكون شخصٌ ما في أقصى الجنوب، والآخر في الشّمال ما دامت الأرواح تلتقي في كلِّ موطنِ شوق.

أنا هنا أتحدّث عن شهد التي باركت الحُبَّ بين قلبينا. شهد التي يعلمُ الله كيف التقينا يومها، وكيف لم نشعر إلّا وقد صار الحُبُّ ديدننا. شهد الفتاة التي تضمّ قلبي بمعطف دعواتها، ولطفِ حديثها. التي تحملُ معنى اسمها حيث يضعها الله، وأينما تحلّ والتي أدعو الله أن يجعلَ لقائيَ الأول بها في أرض الحرم بإذنه.

هذه الفتاةُ اللطيفة، رضيةُ الخُلق والدّين التي لم يخطر ببالي أن أسألها يومًا: كيف لكِ أن تعبري القلوبَ بهذه الرّشاقة الرّوحية؟ وكيف لك أن تختاري موقعك في قلبِ مُحبِّيكِ؟

الآن أسألها:
يا شهدُ يا بنتَ الرّبيعِ أجيبي
أنّى وكيف لكِ بهذا؟
..

صديقةٌ قرآنية
وكم يدهشني الأصدقاء القرآنيون يا شهد.
أحبّكِ. 🌷

الجمعة، 29 يناير 2016

ثكلى.

عندك نزعة للتجرّد من إنسانيتك؟
بسهولة، اعتدِ على البشر.

هذا ما يحدث فعلًا في فلسطين الأبيّة، حين تجرّد الإسرائليون من إنسانيتهم واعتدوا على أعظم شعوب الله في الأرض.
الطفولة في فلسطين مميّزة جدًا حيث أنّ الأطفال يكبرون على الوجع، ويترعرعون في ساحات الدّماء والنّار. أطفال فلسطين هم زيتون العالم، منهم يخرج زيتُ إضاءة العالم. أما قالوا يومًا بأنّ العلم نور؟ إذًا تعلّموا منهم الشجاعة ومعنى التّضحية. تعلّموا أن ليسَ أكثر انتماءً في الكون من إنسانٍ يفدي الوطنَ بنفسه وماله. فلسطين مدرسة حياتيّة.

أطفال جوعى، نساء خائفات، شباب ينزفون، وشيوخ أكتافهم ثقيلة. قلّ لي بربّك، ماذا بقيَ من الجمال في ساحات فلسطين؟

(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).
هذه الآية التي كلّما مررت عليها، تمتمتُ: يا ربّ أرنا فيهم عجائب قدرتك. آمين.

الآن في اللحظة التي أكتب، دقّات قلبي متسارعة، دمي ثائر، أمعائي مُعتصرة، وأطرافي جدًا متجمّدة.
قد يكون تأثير الشتاء، أو ربّما كوب الشّاي المرّ الذي بين يدي.
الموتى، أصدقاء الطّفولة، الشّاب المزعج في الجامعة، أمّي المسافرة، أخي المتهوّر، كلّهم مرّوا بخاطري الآن. أكادُ لا أفهم الثرثرة العميقة داخلي.

ثمّ أنتبه للكتاب الذي بين يديّ: عيون في غزّة.
وأنا أقرأ الكتاب، أتخيّل وكأنّي أُشاهد حدثًا في مسرحٍ ما، ديكوره دمّ، وسيارات الإسعاف مصفوفةٌ على جنبيه بحذر.

فلسطين تنزف. هلّا كنتَ ضمادها؟
يإمكاني إلقاء اللوم على المسافة، حالة الحرب، سلطة الأهل، انعدام الأمان، لكنّي متيقّنة أنّي مسؤولة عن حالهم. مسؤولة، لكن كيف؟ لا أدري.

أنت وأنا / جميعنا نائحون.
وليست النّائحة كالثكلى. إطلاقًا.
فلسطين ثكلى، تودّع أحبابها وتبكيهم في الآن ألف مرّة. وأكثر. تخيّل أنّها أم، وهناك من ينزغ فلذات كبدها واحدًا تلو الآخر، وهي تموت مع كلّ فقد. في المقابل تعود وتحيا مع كلّ آية. تنتصرُ بتأييدِ الله.

لا أعرف لماذا تذكّرت:
" كلّ الأشياءِ هنا ثكلى. حتّى ورق الليمون ".

دعاء .. يا ربّ.

الخميس، 14 يناير 2016

" لقد نصركمُ اللهُ في مواطنَ كثيرة "

ذات حديث بيني وبيني:

* ثمّ أنّي مستمرٌ في خساراتي. وهاهو فشلي الذريع يعودُ مرةً أخرى، بحلّةٍ جديدة، وثوبٍ قشيب. أهلًا بي في دائرةِ المُنتَكسين. هذا قدري، شقيٌّ للأبد.

- ما أجحدك يا صديقي. مواطنُ نصرُ الله كثيرة، لكنّك أعمى. ماذا ؟ أتقولُ بأنّك لستَ أعمى؟ هه لاجديد. تُنكر الحقيقة وتختبئ وراء خيباتك دائمًا. احذر، هذا قد يكلفكَ الكثير.

طيّب يا صديقي المُبصِر، دعني أقول عنك: كافر.
ربّما سيرضيكَ هذا أكثر. كافرٌ إذ أنّك لم تؤمن بتلك الانتصارات أبدًا، لم تشكر اللهَ عليها، ولم تذكرها حتّى. أنسيتَ انتكاستك الأولى، أنسيتَ يومَ أن كانت قدمُك على شفا حفرة، يومَ أن ضاقتِ السّماءُ في قلبك؟ قل لي بربّك، كيف نجوت؟ هيّا أخبرني عن تلك القوّة والحيلة. أرني عضلاتك، معجزاتك الخارقة، وذكائِك الفطريّ. واا أسفي عليك. نسيتَ فضلَ الله، وإحسانه. أعجبتك قدراتك، وأخذتك طاقاتك بالعزّة ثمّ ما إن وقعت، جئتَ تلقي اللومَ على القدر. كم أنتَ ساذجٌ صديقي/ سطحيّ.

ألم أنبّهكَ ذات مرّة ألّا تتكئَ على ذكائك؛ لأنّ كتفهُ مُثقل بما فيه وأنّه سيخونك ذات ضعف؟ بلى، فعلت. لكنّك غافلٌ صديقي. ما إن ترى الزّيتَ أمامك، تُسرف في إشعال قناديلك بلا ادّخار، ولا تفكير. تُسرف كثيرًا، ظنًا منك بأنّ الجرّة ستسلمُ ككلّ مرة، لكنها لم تفعل اليوم. خانتك. أسرفتَ بحُجّة " مال عمّك، ما يهمّك " وها أنت تحصدُ ما لم تكن تتوقع. لقد جنيتَ الشّوك من بستانك صديقي. ظالم لنفسكَ أنت، فماذا ترجو من ظلمكِ غير الخسائر ؟

لا تبتئس صديقي. قسوتُ عليك؛ لأجلك. لأني أُحبّك ليسَ إلّا. تعالَ معي نتذكّر " ولينصرنَّ الله من ينصره ". أنتَ وأنا - وكلّهم - ضعفاء. أذلّاء عنده. فقراء إليه. ولسنا منتصرينَ إلّا بنصرهِ وتأييده، ولن يحصلَ هذا سوى بإجتهادنا. أخالك فهمتَ ما أعني. الجزاءُ من جنسِ العمل، والله لا يحبُّ المتواكلين صديقي. فهيّا نعمل.

الخميس، 3 سبتمبر 2015

أحبُّك صابرة.

حبيبة القلب، وبراءة الصداقة: مودّة. ❤
لولا أنّ الموتَ حق، وأنّ مما لا شك فيه بأنّا ذائقوه كلُّ بلا استثناء، لأعلنتُ الحدادَ على نفسي، وانتحبتُ طويلًا.
لكنّي احتسبت، وآمنت. وأنت آمني.
بل أنتِ مؤمنة، ولكن ازدادي. ألستِ القويّة التي علمتني كيف أذكرُ الله، وكيف أصبرُ على فراق أبي؟ تلك الصّابرة التّي شددتي بيدي وحدكِ - دون الأصدقاءِ - يوم أن فقدته؟
أحبُّك صابرة، وأشعرُ بالثقل الذي تشعرين.
وكتفي ثقيلٌ بما فيه الكفايةُ مذ تلقيّتُ خبر الوفاة. جرّبتُ الفقدَ قبلك، وتجرّعتُ مرارته طويلًا. وانكسرت.
انكسرتُ ولكنّي جُبرت بفضل الله وقوّته. بل أنّي مكسورةٌ للآنِ ولكنّي مُجبرةٌ في الوقتِ ذاته. تخيّلي !
أتذكرينَ يومَ أن كنّا صغارًا وكّنا نحفظ أسماء الله الحسنى معًا؟ يومَ حفظنا اسمهُ الجبّار؟ ويومَ تسابقنا لنحفظ من أسمائهِ اللطيف؟ قد لا تذكرين، لكن هيّا استحضريه سريعًا وزيدي إيمانًا. شُدّي وِثاقًا واطمئنّي.
واعلمي أنّ على قدرِ الصّبر يأتي التعويض، والخيرُ في التعويضِ دائمًا تجديه.
وكوني لأمُّكِ الساعدَ الأيمن.
والصّديق المواسي المصبّر.
كوني لها وطنًا.
واحضنيها.


أبوكِ كان
- ولم يزل - أبي.
سأصلهُ بالدّعاءِ معك.
أعدكِ سأظلُّ أذكر فضلهُ أبدًا. لكن قومي. قومي وافضحي عينيكِ، فالدّموع - يا قلبي - رحمةٌ واسعة. أرجوكِ أفيقي، وافتحي عينيكِ وصدّقي. أعلمُ تمامًا بصبرِك واحتسابِك، لكنّ صمتكِ موجع. بل في اللحظةِ هذه أحسبهُ الأشدُّ وجعًا على الإطلاق.
أنتِ القويّة المحتسِبة، أُمّ الابتسامة الدائمة التي لا يليقُ الإنطفاء لقلبها بتاتًا.
فهيّا قومي. أحبُّك مُحتسِبة.


أتعلمين ؟
بالأمسِ كنتُ أسترقُ النظر لكِ خلسة؛ حتّى لا تقع عيني بعينِك مباشرة، فتتلألأُ عيناي بينما تظلُّ عيناك ساكِنتان تحدّقان في النّاس حولهما. كنتُ كلّما نظرتُ إليكِ قلتُ في داخلي: زيدي إيمانًا مودّة. وثقي يقينًا بأنّ اللهَ لن يترك في قلبكِ مثقالُ ذرةٍ من حزن. سيغدِقُ عليكِ صبرًا طويلًا حدّ ارتواء. سيمسحُ على قلبكِ بلطف. سيصنعُ منكِ مجاهدةً خالصة.

سلامٌ عليكِ، وأُمّكِ ..
بردًا وسلامًا إلى يومِ الدّين ❤

11/7/2015 

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

وخزُ الوعكةِ الأولى.




تقولُ: بينَ الذين عرفوني قبل سنتين تقريبًا، والذين يعرفوني الآن مسافات ضوئية شاسعة جدًا. ربّما كانت أجملَ، أو أنها الآن أجمل بكثير. هه الأمرُ الأكثرُ غرابةً هو أنّها لا تعرفُ أيُّ الحالين أقرب لذاتها. تواصلُ الحياةَ كما لو أنّ شيئًا لم يكن. تسيرُ أحيانًا بخطى واثقة، وأحيانًا أخرى بمشيةٍ عوجاء تتعثر بها، فتبكي. تنطوي على نفسها ثم تعودُ بقوّة. تقولُ: ذات يوم كان خطُ يدي ألطف مما هو عليه الآن. تقول كانَ، أي لا يهمّها أصلًا، لأنها لا تكتب شيئًا مقدسًا. لا أحد ينتظرُ منها رسالةً بخطِّ يدها. لا أحد يأبهُ لذلك.
"يا لسخافة الأمر ". تضحك على نفسها وتحدثها بصوتٍ مسموع في حديقة العلوم التي تتخذ فيها مقعدًا بعيدًا عن أعين المارّة وبعيدًا عن الأجواء الجماعيّة. تفضّل الانفراد بأناها. على الرغمِ من حبّها للعزلةِ إلّا أنها تحنُّ للقاءات المزدحمة مع صديقاتها. متناقضةٌ جدًا. اممم تخيّل مثلًا ما كانت تفعله في صباحاتِ دوامها. كانت مستعدّة لتغادرَ السكنَ في وقتٍ مُبكّر جدًا؛ حتّى لا تلتقي بشخصٍ تعرفه في الطريق فتضطرُّ مجاملته بالمشي معه إلى قاعةِ المحاضرات. تحبُّ أن تمشي وحيدةً وتجلسَ وحيدة. في حال أن الظّروف منعتها وخرجت متأخرة قليلًا، أو على الأقل في الوقتِ القياسي، فإنها تفضّل المشيَ في ممرات الذّكور بمفردها. "هه لا بأس لا أحد يعرفُني هناك. سيقولون صعيديةً ثمّ يكفّوا عن الحديثِ". تُنهي محاضرتَها فتخرجُ سريعًا حتى لا تلتفت إحداهنّ قائلة: " تروحي السكن ؟ ".
تتظاهر كثيرًا بأنّها مشغولة أو أن أمرًا طارئًا ينتظرها فتختفي عن الأعينِ. تؤثرُ الصمتَ الطويلَ في حضرتها بين النّاس. تقول: أن أستمعَ بأذنين واسعتين أفضل من أن أنطقَ بحرفينِ أبكمين. هذهِ هي نفسها التي كانت سابقًا تحتفظُ بأتفهِ الأشياءِ كذكرى والآن أصبحت جامدةً بعضَ الشيءِ، تمرُّ على الذكرى بدمع. " لا ضير لا ضير، سأبقى وفيةً للذكرى حتّى حين ". ما إن تنتبه لها زميلتها وهي تثرثر مع نفسها، تحاولُ إيجادُ طرفةٍ ما، أو تُشعرها بأنّها في جوٍّ مسرحيٍّ مُختلق. المُضحكُ هنا أنّ الزميلة هذه تصدّقها سريعًا فتدخل معها في دوّامةِ التمثيل. تضحكانِ معًا. يذوبُ الجوّ المسرحي، تنطلقُ كلُّ منهما لحاجتِها. وتبقى تفكر: ماذا لو أعود لشخصيّتي الاجتماعية؟ تتأفّفُ ثم تصرفُ التفكيرَ لشيءٍ آخر أقلّ سخافةً من ذاك. تفشلُ، فتعودُ تفكّر في ذات الأمر، كيف يراني النّاس؟ آخخ تشعرُ بالثقل. تشعرُ بأنها كائنٌ غير مرغوبٍ فيه. تفتحُ شعرهَا فتسدلهُ على كتفيها. تتنهدُّ بعمق. ثم تنام. تختفي أيامًا ولا تسألُ عن أحدًا البتّة. " تغيّرتِ كثيرًا، أصبحتِ هادئة "، يبدو أنها قد ملّت سماعَ هذهِ العبارات.
تسرحُ تارةً أخرى فينزلُ دمعُها. يا تُرى فيما تفكّر ؟ امممم ربّما زارها طيفُ أبيها.
" هذه صخرة ولا يبكيها شيء، لكن يُضعفها الحنينُ"، تهمسُ هكذا لذاتِها. عادي جدًا أن ترى ماءَ عينيها لأنها رأت شخصًا يبكي أو يتألم. أمُّها على وجهِ الخصوصِ. تحاولُ كثيرًا أن تتماسك في المواقف إلّا أن عيناها فضوحتين. لكن ذلك لا يتنافى مع قوّتِها أبدًا فهي تقولُ بأنّ هذا الدّمعَ عصيُّ التحكّم، وأنّه ليسَ بإرادتِها أن تحبسَه.
لا تحبُّ الحديثَ عن ذاتها، لا تشتكي. يرهُقها اللجوءَ لشخصٍ يسمعها لأنّ شعورَ الثّقلِ ملازمٌ لها. إلّا صديقةً واحدة، فهي ملجأُ التفرّيغ حين يُتعبها السّكوت. تحبُّها فتغلبُها في جذبِ الحديثِ من قلبِها. لكن ما زال الحديثُ قاصرًا.  لا تقول كلُّ شيء.
تشعرُ أن قلبَها يضيقُ بمرورِ الوقت، وأنّ لا مساحةَ فيه لشخصٍ جديد. نست كيف كانت بطاقةُ هاتفِها تضجُّ بأرقامِ المعارفِ والأهلين.
تغييرُ هاتفِها أفقدها هُوّيات النّاس، كان المفترضُ أن تشعرَ بالخسارةِ - ولو قليلًا - لكنّها قالت: " مرحى ". قد تستغرب أنت ما سرُّ هذا التغيّر المفاجئ ؟ لكنها بذاتها لا تعرف الجواب. هه تعرف لكنها تكذب. لا بأس تكذبُ لأجلِ نفسِها. لن يضرّ ذلك أحدًا. هذه الحياةُ متكفّلةٌ بإعطاءِ الدّروسِ مجانًا. وفي المقابل تلطمُ الوجهَ صفعاتٍ بدون مقدّماتٍ أو تنبيهات. تقول مرّة بأنّها أوشكت على فقدِ ذاتها من فرطِ ما أصابَها من تحوّل وتغيّر.

أصارحك ؟
هي الآن ممتنّةٌ لهذه الوعكةِ. ممتنةٌ جدًا.
وخزُها لذيذٌ ومؤلمٌ في الوقتِ نفسه. لولاها لكانت الآن في مشكلةٍ عظيمةٍ تُقاسي وجعَ الخطأ. في الفترة الماضية أراها تحسّنت كثيرًا. اتّخذت عهدًا مع نفسِها لأن تكونَ أقوى وأجلد. أمهلها بعض الوقتِ؛ ستعود.