السبت، 4 يونيو 2016

ذاكرة مثقوبة


                                    ___

حين تريدُ أن تحنو عليّ، أرجو أن يكونَ ذلك بحبٍّ منك. لا أن يكون أداءً لواجبٍ يُثقلك. أنا هشّةٌ هنا، وأوهنُ من بيتِ عنكبوت. لا أحتملُ هذا النّوع من التّقزيم.
                               

لا أعرفُ النّسيان حين يكون قلبي المُتّكأ. صدّقني لا أملك إلّا أن أفعل. ذاكرتي مثقوبة، وهذا القلب منحوتٌ بِرمّته. لا مساحةَ فيه لقبر خطيئاتٍ جُدد. الموتى فيه جرادٌ مُنتشر.

أنا الإنسان البسيط الذي كان يحتفظُ بأتفه الأشياء؛ حتّى يصنع منها ذاكرةً بعيدة المدى. ذاكرةً يعزّي بها بياض شعره حين يشيخ. لكنّه شاخ قبل أن يتقنَ الصّنع. للأسفِ المرير. 
نازعتُ نفسي طويلًا أن أكره، لكن يبدو أنّ قرارَ سهر اللّيلة نبش ذاكرتي، فكرهت.
سامحني. أنا أكرهك. 

لا أريدُ منكَ إلّا أن تنسى من أكون، لأنّ الألم كلّ الألم أن أبقى عبئًا عليك. تخلّص منّي للأبدّ، لاتجاملني فتجرح شعوري وصدقي. ربّما أعودُ أحبُّك لو نسيت. ستكونُ عابرًا حينها، وأحبُّ العابرين. ستكون غريبًا، ويطيب الحديثُ مع الغرباء.  

                                    ...                                        


الخميس، 2 يونيو 2016

شهد.




...

حين تقصر المسافات الرّوحية لا أهتمُّ بمسافة الواقع. لا يهمّني أن يكون شخصٌ ما في أقصى الجنوب، والآخر في الشّمال ما دامت الأرواح تلتقي في كلِّ موطنِ شوق.

أنا هنا أتحدّث عن شهد التي باركت الحُبَّ بين قلبينا. شهد التي يعلمُ الله كيف التقينا يومها، وكيف لم نشعر إلّا وقد صار الحُبُّ ديدننا. شهد الفتاة التي تضمّ قلبي بمعطف دعواتها، ولطفِ حديثها. التي تحملُ معنى اسمها حيث يضعها الله، وأينما تحلّ والتي أدعو الله أن يجعلَ لقائيَ الأول بها في أرض الحرم بإذنه.

هذه الفتاةُ اللطيفة، رضيةُ الخُلق والدّين التي لم يخطر ببالي أن أسألها يومًا: كيف لكِ أن تعبري القلوبَ بهذه الرّشاقة الرّوحية؟ وكيف لك أن تختاري موقعك في قلبِ مُحبِّيكِ؟

الآن أسألها:
يا شهدُ يا بنتَ الرّبيعِ أجيبي
أنّى وكيف لكِ بهذا؟
..

صديقةٌ قرآنية
وكم يدهشني الأصدقاء القرآنيون يا شهد.
أحبّكِ. 🌷

الجمعة، 29 يناير 2016

ثكلى.

عندك نزعة للتجرّد من إنسانيتك؟
بسهولة، اعتدِ على البشر.

هذا ما يحدث فعلًا في فلسطين الأبيّة، حين تجرّد الإسرائليون من إنسانيتهم واعتدوا على أعظم شعوب الله في الأرض.
الطفولة في فلسطين مميّزة جدًا حيث أنّ الأطفال يكبرون على الوجع، ويترعرعون في ساحات الدّماء والنّار. أطفال فلسطين هم زيتون العالم، منهم يخرج زيتُ إضاءة العالم. أما قالوا يومًا بأنّ العلم نور؟ إذًا تعلّموا منهم الشجاعة ومعنى التّضحية. تعلّموا أن ليسَ أكثر انتماءً في الكون من إنسانٍ يفدي الوطنَ بنفسه وماله. فلسطين مدرسة حياتيّة.

أطفال جوعى، نساء خائفات، شباب ينزفون، وشيوخ أكتافهم ثقيلة. قلّ لي بربّك، ماذا بقيَ من الجمال في ساحات فلسطين؟

(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ).
هذه الآية التي كلّما مررت عليها، تمتمتُ: يا ربّ أرنا فيهم عجائب قدرتك. آمين.

الآن في اللحظة التي أكتب، دقّات قلبي متسارعة، دمي ثائر، أمعائي مُعتصرة، وأطرافي جدًا متجمّدة.
قد يكون تأثير الشتاء، أو ربّما كوب الشّاي المرّ الذي بين يدي.
الموتى، أصدقاء الطّفولة، الشّاب المزعج في الجامعة، أمّي المسافرة، أخي المتهوّر، كلّهم مرّوا بخاطري الآن. أكادُ لا أفهم الثرثرة العميقة داخلي.

ثمّ أنتبه للكتاب الذي بين يديّ: عيون في غزّة.
وأنا أقرأ الكتاب، أتخيّل وكأنّي أُشاهد حدثًا في مسرحٍ ما، ديكوره دمّ، وسيارات الإسعاف مصفوفةٌ على جنبيه بحذر.

فلسطين تنزف. هلّا كنتَ ضمادها؟
يإمكاني إلقاء اللوم على المسافة، حالة الحرب، سلطة الأهل، انعدام الأمان، لكنّي متيقّنة أنّي مسؤولة عن حالهم. مسؤولة، لكن كيف؟ لا أدري.

أنت وأنا / جميعنا نائحون.
وليست النّائحة كالثكلى. إطلاقًا.
فلسطين ثكلى، تودّع أحبابها وتبكيهم في الآن ألف مرّة. وأكثر. تخيّل أنّها أم، وهناك من ينزغ فلذات كبدها واحدًا تلو الآخر، وهي تموت مع كلّ فقد. في المقابل تعود وتحيا مع كلّ آية. تنتصرُ بتأييدِ الله.

لا أعرف لماذا تذكّرت:
" كلّ الأشياءِ هنا ثكلى. حتّى ورق الليمون ".

دعاء .. يا ربّ.

الخميس، 14 يناير 2016

" لقد نصركمُ اللهُ في مواطنَ كثيرة "

ذات حديث بيني وبيني:

* ثمّ أنّي مستمرٌ في خساراتي. وهاهو فشلي الذريع يعودُ مرةً أخرى، بحلّةٍ جديدة، وثوبٍ قشيب. أهلًا بي في دائرةِ المُنتَكسين. هذا قدري، شقيٌّ للأبد.

- ما أجحدك يا صديقي. مواطنُ نصرُ الله كثيرة، لكنّك أعمى. ماذا ؟ أتقولُ بأنّك لستَ أعمى؟ هه لاجديد. تُنكر الحقيقة وتختبئ وراء خيباتك دائمًا. احذر، هذا قد يكلفكَ الكثير.

طيّب يا صديقي المُبصِر، دعني أقول عنك: كافر.
ربّما سيرضيكَ هذا أكثر. كافرٌ إذ أنّك لم تؤمن بتلك الانتصارات أبدًا، لم تشكر اللهَ عليها، ولم تذكرها حتّى. أنسيتَ انتكاستك الأولى، أنسيتَ يومَ أن كانت قدمُك على شفا حفرة، يومَ أن ضاقتِ السّماءُ في قلبك؟ قل لي بربّك، كيف نجوت؟ هيّا أخبرني عن تلك القوّة والحيلة. أرني عضلاتك، معجزاتك الخارقة، وذكائِك الفطريّ. واا أسفي عليك. نسيتَ فضلَ الله، وإحسانه. أعجبتك قدراتك، وأخذتك طاقاتك بالعزّة ثمّ ما إن وقعت، جئتَ تلقي اللومَ على القدر. كم أنتَ ساذجٌ صديقي/ سطحيّ.

ألم أنبّهكَ ذات مرّة ألّا تتكئَ على ذكائك؛ لأنّ كتفهُ مُثقل بما فيه وأنّه سيخونك ذات ضعف؟ بلى، فعلت. لكنّك غافلٌ صديقي. ما إن ترى الزّيتَ أمامك، تُسرف في إشعال قناديلك بلا ادّخار، ولا تفكير. تُسرف كثيرًا، ظنًا منك بأنّ الجرّة ستسلمُ ككلّ مرة، لكنها لم تفعل اليوم. خانتك. أسرفتَ بحُجّة " مال عمّك، ما يهمّك " وها أنت تحصدُ ما لم تكن تتوقع. لقد جنيتَ الشّوك من بستانك صديقي. ظالم لنفسكَ أنت، فماذا ترجو من ظلمكِ غير الخسائر ؟

لا تبتئس صديقي. قسوتُ عليك؛ لأجلك. لأني أُحبّك ليسَ إلّا. تعالَ معي نتذكّر " ولينصرنَّ الله من ينصره ". أنتَ وأنا - وكلّهم - ضعفاء. أذلّاء عنده. فقراء إليه. ولسنا منتصرينَ إلّا بنصرهِ وتأييده، ولن يحصلَ هذا سوى بإجتهادنا. أخالك فهمتَ ما أعني. الجزاءُ من جنسِ العمل، والله لا يحبُّ المتواكلين صديقي. فهيّا نعمل.