الخميس، 3 سبتمبر 2015

أحبُّك صابرة.

حبيبة القلب، وبراءة الصداقة: مودّة. ❤
لولا أنّ الموتَ حق، وأنّ مما لا شك فيه بأنّا ذائقوه كلُّ بلا استثناء، لأعلنتُ الحدادَ على نفسي، وانتحبتُ طويلًا.
لكنّي احتسبت، وآمنت. وأنت آمني.
بل أنتِ مؤمنة، ولكن ازدادي. ألستِ القويّة التي علمتني كيف أذكرُ الله، وكيف أصبرُ على فراق أبي؟ تلك الصّابرة التّي شددتي بيدي وحدكِ - دون الأصدقاءِ - يوم أن فقدته؟
أحبُّك صابرة، وأشعرُ بالثقل الذي تشعرين.
وكتفي ثقيلٌ بما فيه الكفايةُ مذ تلقيّتُ خبر الوفاة. جرّبتُ الفقدَ قبلك، وتجرّعتُ مرارته طويلًا. وانكسرت.
انكسرتُ ولكنّي جُبرت بفضل الله وقوّته. بل أنّي مكسورةٌ للآنِ ولكنّي مُجبرةٌ في الوقتِ ذاته. تخيّلي !
أتذكرينَ يومَ أن كنّا صغارًا وكّنا نحفظ أسماء الله الحسنى معًا؟ يومَ حفظنا اسمهُ الجبّار؟ ويومَ تسابقنا لنحفظ من أسمائهِ اللطيف؟ قد لا تذكرين، لكن هيّا استحضريه سريعًا وزيدي إيمانًا. شُدّي وِثاقًا واطمئنّي.
واعلمي أنّ على قدرِ الصّبر يأتي التعويض، والخيرُ في التعويضِ دائمًا تجديه.
وكوني لأمُّكِ الساعدَ الأيمن.
والصّديق المواسي المصبّر.
كوني لها وطنًا.
واحضنيها.


أبوكِ كان
- ولم يزل - أبي.
سأصلهُ بالدّعاءِ معك.
أعدكِ سأظلُّ أذكر فضلهُ أبدًا. لكن قومي. قومي وافضحي عينيكِ، فالدّموع - يا قلبي - رحمةٌ واسعة. أرجوكِ أفيقي، وافتحي عينيكِ وصدّقي. أعلمُ تمامًا بصبرِك واحتسابِك، لكنّ صمتكِ موجع. بل في اللحظةِ هذه أحسبهُ الأشدُّ وجعًا على الإطلاق.
أنتِ القويّة المحتسِبة، أُمّ الابتسامة الدائمة التي لا يليقُ الإنطفاء لقلبها بتاتًا.
فهيّا قومي. أحبُّك مُحتسِبة.


أتعلمين ؟
بالأمسِ كنتُ أسترقُ النظر لكِ خلسة؛ حتّى لا تقع عيني بعينِك مباشرة، فتتلألأُ عيناي بينما تظلُّ عيناك ساكِنتان تحدّقان في النّاس حولهما. كنتُ كلّما نظرتُ إليكِ قلتُ في داخلي: زيدي إيمانًا مودّة. وثقي يقينًا بأنّ اللهَ لن يترك في قلبكِ مثقالُ ذرةٍ من حزن. سيغدِقُ عليكِ صبرًا طويلًا حدّ ارتواء. سيمسحُ على قلبكِ بلطف. سيصنعُ منكِ مجاهدةً خالصة.

سلامٌ عليكِ، وأُمّكِ ..
بردًا وسلامًا إلى يومِ الدّين ❤

11/7/2015 

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

وخزُ الوعكةِ الأولى.




تقولُ: بينَ الذين عرفوني قبل سنتين تقريبًا، والذين يعرفوني الآن مسافات ضوئية شاسعة جدًا. ربّما كانت أجملَ، أو أنها الآن أجمل بكثير. هه الأمرُ الأكثرُ غرابةً هو أنّها لا تعرفُ أيُّ الحالين أقرب لذاتها. تواصلُ الحياةَ كما لو أنّ شيئًا لم يكن. تسيرُ أحيانًا بخطى واثقة، وأحيانًا أخرى بمشيةٍ عوجاء تتعثر بها، فتبكي. تنطوي على نفسها ثم تعودُ بقوّة. تقولُ: ذات يوم كان خطُ يدي ألطف مما هو عليه الآن. تقول كانَ، أي لا يهمّها أصلًا، لأنها لا تكتب شيئًا مقدسًا. لا أحد ينتظرُ منها رسالةً بخطِّ يدها. لا أحد يأبهُ لذلك.
"يا لسخافة الأمر ". تضحك على نفسها وتحدثها بصوتٍ مسموع في حديقة العلوم التي تتخذ فيها مقعدًا بعيدًا عن أعين المارّة وبعيدًا عن الأجواء الجماعيّة. تفضّل الانفراد بأناها. على الرغمِ من حبّها للعزلةِ إلّا أنها تحنُّ للقاءات المزدحمة مع صديقاتها. متناقضةٌ جدًا. اممم تخيّل مثلًا ما كانت تفعله في صباحاتِ دوامها. كانت مستعدّة لتغادرَ السكنَ في وقتٍ مُبكّر جدًا؛ حتّى لا تلتقي بشخصٍ تعرفه في الطريق فتضطرُّ مجاملته بالمشي معه إلى قاعةِ المحاضرات. تحبُّ أن تمشي وحيدةً وتجلسَ وحيدة. في حال أن الظّروف منعتها وخرجت متأخرة قليلًا، أو على الأقل في الوقتِ القياسي، فإنها تفضّل المشيَ في ممرات الذّكور بمفردها. "هه لا بأس لا أحد يعرفُني هناك. سيقولون صعيديةً ثمّ يكفّوا عن الحديثِ". تُنهي محاضرتَها فتخرجُ سريعًا حتى لا تلتفت إحداهنّ قائلة: " تروحي السكن ؟ ".
تتظاهر كثيرًا بأنّها مشغولة أو أن أمرًا طارئًا ينتظرها فتختفي عن الأعينِ. تؤثرُ الصمتَ الطويلَ في حضرتها بين النّاس. تقول: أن أستمعَ بأذنين واسعتين أفضل من أن أنطقَ بحرفينِ أبكمين. هذهِ هي نفسها التي كانت سابقًا تحتفظُ بأتفهِ الأشياءِ كذكرى والآن أصبحت جامدةً بعضَ الشيءِ، تمرُّ على الذكرى بدمع. " لا ضير لا ضير، سأبقى وفيةً للذكرى حتّى حين ". ما إن تنتبه لها زميلتها وهي تثرثر مع نفسها، تحاولُ إيجادُ طرفةٍ ما، أو تُشعرها بأنّها في جوٍّ مسرحيٍّ مُختلق. المُضحكُ هنا أنّ الزميلة هذه تصدّقها سريعًا فتدخل معها في دوّامةِ التمثيل. تضحكانِ معًا. يذوبُ الجوّ المسرحي، تنطلقُ كلُّ منهما لحاجتِها. وتبقى تفكر: ماذا لو أعود لشخصيّتي الاجتماعية؟ تتأفّفُ ثم تصرفُ التفكيرَ لشيءٍ آخر أقلّ سخافةً من ذاك. تفشلُ، فتعودُ تفكّر في ذات الأمر، كيف يراني النّاس؟ آخخ تشعرُ بالثقل. تشعرُ بأنها كائنٌ غير مرغوبٍ فيه. تفتحُ شعرهَا فتسدلهُ على كتفيها. تتنهدُّ بعمق. ثم تنام. تختفي أيامًا ولا تسألُ عن أحدًا البتّة. " تغيّرتِ كثيرًا، أصبحتِ هادئة "، يبدو أنها قد ملّت سماعَ هذهِ العبارات.
تسرحُ تارةً أخرى فينزلُ دمعُها. يا تُرى فيما تفكّر ؟ امممم ربّما زارها طيفُ أبيها.
" هذه صخرة ولا يبكيها شيء، لكن يُضعفها الحنينُ"، تهمسُ هكذا لذاتِها. عادي جدًا أن ترى ماءَ عينيها لأنها رأت شخصًا يبكي أو يتألم. أمُّها على وجهِ الخصوصِ. تحاولُ كثيرًا أن تتماسك في المواقف إلّا أن عيناها فضوحتين. لكن ذلك لا يتنافى مع قوّتِها أبدًا فهي تقولُ بأنّ هذا الدّمعَ عصيُّ التحكّم، وأنّه ليسَ بإرادتِها أن تحبسَه.
لا تحبُّ الحديثَ عن ذاتها، لا تشتكي. يرهُقها اللجوءَ لشخصٍ يسمعها لأنّ شعورَ الثّقلِ ملازمٌ لها. إلّا صديقةً واحدة، فهي ملجأُ التفرّيغ حين يُتعبها السّكوت. تحبُّها فتغلبُها في جذبِ الحديثِ من قلبِها. لكن ما زال الحديثُ قاصرًا.  لا تقول كلُّ شيء.
تشعرُ أن قلبَها يضيقُ بمرورِ الوقت، وأنّ لا مساحةَ فيه لشخصٍ جديد. نست كيف كانت بطاقةُ هاتفِها تضجُّ بأرقامِ المعارفِ والأهلين.
تغييرُ هاتفِها أفقدها هُوّيات النّاس، كان المفترضُ أن تشعرَ بالخسارةِ - ولو قليلًا - لكنّها قالت: " مرحى ". قد تستغرب أنت ما سرُّ هذا التغيّر المفاجئ ؟ لكنها بذاتها لا تعرف الجواب. هه تعرف لكنها تكذب. لا بأس تكذبُ لأجلِ نفسِها. لن يضرّ ذلك أحدًا. هذه الحياةُ متكفّلةٌ بإعطاءِ الدّروسِ مجانًا. وفي المقابل تلطمُ الوجهَ صفعاتٍ بدون مقدّماتٍ أو تنبيهات. تقول مرّة بأنّها أوشكت على فقدِ ذاتها من فرطِ ما أصابَها من تحوّل وتغيّر.

أصارحك ؟
هي الآن ممتنّةٌ لهذه الوعكةِ. ممتنةٌ جدًا.
وخزُها لذيذٌ ومؤلمٌ في الوقتِ نفسه. لولاها لكانت الآن في مشكلةٍ عظيمةٍ تُقاسي وجعَ الخطأ. في الفترة الماضية أراها تحسّنت كثيرًا. اتّخذت عهدًا مع نفسِها لأن تكونَ أقوى وأجلد. أمهلها بعض الوقتِ؛ ستعود.